بعيداً عن الصورة النمطية التي تظهر وجود أي امرأتين في مكان واحد يقتضي بقضاء إحداهما على الأخرى ونشوء علاقة شديدة التوتر إلى حد الانفجار، ومع إزالة مشهد “ميمي شكيب” و “ماري منيب” من ذهننا في الفيلم المصري الكلاسيكي “الحموات الفاتنات” والذي تنشب فيه مشاجرات وتنصب فيه المكائد وتدس فيه الدسائس بين السيدتين، إلا أنه إذا نظرنا إلى واقع العمل السوري، فعلي الاعتراف – وأنا امرأة أولاً قبل أي شيء – أنه يبدو أن العمل مع امرأة أخرى قد يكون من الصعوبة بمكان تجعلني أعتذر عن إكمال العمل أو عدم تكرار التجربة مع نفس المكان.
وكي لا أقسى على بنات جنسي، فإن العمل مع الذكور لا يقل صعوبة وله الكثير من عواقبه، حيث أني أرى أن ثقافة العمل المبني على التعاون والاحترام شبه معدومة لأسباب كثيرة، لكن لنقل إني أود التركيز في هذا المقال على واقع العمل مع امرأة أخرى.
– وعلى عكس ما يعتقد البعض حيث يصف السيدات بالعاطفية ويعزو أي مشكلة تنشب بينهن أو معهن إلى “خلل” وراثي، أو قد يلطفون الجملة فيقولون “اختلاف” وراثي، إلا أني لا أعتقد أن هذه المشكلة نهائياً، صدقوني نحن النساء جميعاً نلاحظ أن للذكور أيضاً تقلبات مزاجية متواترة غير مفهومة أحياناً ويعانون من الإحباط والاكتئاب غير المبررين يليهم السعادة المفاجئة، بل ويشعرون بالغيرة الشديدة من زملائهم ذكوراً وإناثاً، وتلهج ألسنتهم بالنميمة ونقل الأخبار الصحيحة والإشاعات في مكان العمل تماماً كما تفعل النساء!
– فأنا أرى أن إنجاز مهام العمل قد تكون شبه مستحيلة مع سيدة أخرى لأحد أو عدة من الأسباب التالية، والتي بالمناسبة لا ينحصر معظمها على النساء، إنما تشتمل على الجنسين:
1- النساء يتعرضن بشكل كبير لضغط لإثبات أنفسهن قادرات على القيام بالمهام وتحقيق الأهداف المطلوبة من الوظيفة أو المنصب، بل يتعرضن لضغط كبير ليستطعن إثبات أنهن جيدات بقدر ما هم الرجال جيدون، وحتى في أكثر الأوساط الاجتماعية انفتاحاً وأكثر مؤسسات العمل تقدماً، هناك دوماً نظرة أو همسة أو ابتسامة جانبية تشي بأنكِ مجرّد امرأة ليس أكثر، إذاً فالنساء يدخلن على العمل وهن متأهبات لخوض معارك إثبات ذات وإثبات للآخرين وللمجتمع وللكرة الأرضية أنهن كفوء، وللأسف فإن بعضهن تتحول من محاربة شديدة إلى محاربة شرسة، وهذا النوع الأول من زميلات العمل التي يصعب العمل معهن، فهن جاهزات لتحويل أبسط خلاف أو اختلاف بالرأي أو سوء
فهم إلى حرب طاحنة وضروس!
2- وهناك نوع آخر من النساء اللواتي عانين بشكل كبير حتى وصلن إلى المنصب اللواتي هن فيه، قد تتضمن هذه المعاناة الجريمة الأولى والأساسية التي ترتكبها الأنثى ألا وهي أنها ولدت أنثى وغيره مما ذكرته سابقاً، وقد تكون كمعاناة أي إنسان ذكر كان أم انثى قاسى الكثير ليستطيع تكوين الخبرة والعلاقات ليصل إلى ما قد وصل إليه، لكن بعض من هذا النوع من الناس يشعر بالتهديد الدائم تجاه وظيفته فوجود أي موظف آخر جيد الأداء يجعله يشعر بالخوف، وبالتالي فإن هذه السيدة تعمل لإقصاء أي خبرة وتدأب على تهديمها بشتى الوسائل والطرق الممكنة.
3- هناك للأسف معضلة أن بعض النساء يفضلن العمل مع الرجال وبعض الرجال يفضلن العمل مع النساء، والعكس بالعكس، أي حين تجد المرأة نفسها في فريق عمل يتم فيه تمييز الذكور دون الإناث ببعض الامتيازات التي قد تبدو بسيطة ككوب من الشوكولاتة الدافئة المحضر خصيصاً لهذا أو ذاك، وعدم استخدام لغة لائقة بالحديث مع هذه أو تلك.
4- سبب آخر يجعل الموظفين يشعرون بالخوف على مناصبهم رجالاً كانوا أم نساء، هو أن يكون العمل هو محور حياتهم، فأنا لا أنكر نهائياً أهمية الإنجاز المهني في حياة الإنسان، لكن عدم وجود مجالات أخرى يطمح الإنسان لتحقيق ذاته من خلالها، كالهوايات والعلاقات الإنسانية والصلات الاجتماعية والمشاركة المجتمعية، تجعل من هذه السيدة تشعر وكأنها لا تملك ذاتها ولا تراها إلا من خلال هذه الوظيفة، وهي لن تتوانى عن إبعاد أي سبب قد يجعلها تخسرها، حتى وإن كان هذا السبب وهمياً فتحارب في كثير من الأحيان طواحين هواء لا أكثر!
5- هذا السبب كان مستوحىً من خطاب TED كنت قد حضرته وألهمني لكتابة هذا المقال في المقام الأول، للأسف هناك بعض مجالات العمل التي لا تتيح للمرأة أن تعمل بها بشكل كبير، إن هذه الشركات أو المؤسسات لا تعلن عن هذا بشكل واضح وصريح، لكنهم بشكل أو بآخر يفضلن وجود الذكور لأسباب اجتماعية أو دينية أو اقتصادية (ولا أنكر وجود العكس أيضاً)، وهذا ما يجعل بعض هؤلاء النسوة شديدات الانفعال والحدية تجاه أي امرأة أخرى تطأ قدمها مكان عملهن.
– في نهاية تدوينتي، أنا لا أقول أن العمل مع الذكور أكثر أماناً أو احتراماً أو ذو مساحة أوسع للمشاركة والتعاون، لكن ما أقوله هو أني أشعر بإحباط شديد حين أرى أن النساء اللواتي بدأن يتقلدن المناصب الهامة في بلدي يستحيل العمل معهن، فنحن النسوة قد اعتدنا للأسف على مقاومة الكثير من الرجال لوجودنا في الحياة العامة، لكن أن نتعرض للأمر ذاته من قبل بنات جنسنا يزيد من الطين بلة ويجعلني أشعر بكثير من خيبة الأمل.
دوّنته: منى الصابوني.
تصميم : Smart Step
أضف تعليق