الكاتب: حليم الصالح
جهة النشر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة Harmoon Center for Contemporary Studies
تقديم منهجي
تبحث هذه الدراسة، في جزئها الأول، في دور العلويين ونخبهم في البنية السياسية لسورية الحالية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى (1918)، والتحوّل من “دولتهم” شبه المستقلة (1920) إلى الوحدة المشروطة مع سورية (1936) ثم التامّة (9 كانون الأول/ ديسمبر 1945[1])، وتتقصّى الدور العلوي بعد الاستقلال وفي مرحلة الانقلابات العسكرية والسنوات الأربع التي تلتها حتى قيام الوحدة وحدوث الانفصال، وصولًا إلى انقلاب البعث عام 1963. ومع أن ثمة تقاطعات كثيرة بين حالة العلويين والأقليات الأخرى، فإن الدراسة ستقتصر على متابعة مواقف وأدوار نُخب الطائفة العلوية والأحداث والمواقف السورية ذات الصلة، من خلال رؤية تجمع بين التحولات الاجتماعية والسياسية داخل الطائفة، والأحداث الوطنية والإقليمية والدولية.
فضلًا عن ندرة المصادر التي عالجت هذا العنوان، كسياق متصل، فإنّ الدراسات التي اشتملت على معلومات من هذا القبيل (الباحثون الأجانب على وجه الخصوص)، على أهميتها، بقيت ناقصة من حيث عدم أخذ السيرورة التاريخية لتطور المظلومية العلوية وانعكاساتها على تشكل عصبية علوية (ابن خلدونية)[2]، على قاعدة مخاوف تاريخية عززها الصراع مع الإخوان المسلمين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وصارت جليّة ووجودية بعد عام 2011. وما زاد الأمور تعقيدًا، بعد ظهور النخب العلوية على مسرح السياسة السورية في فترة الانتداب وما بعدها، هو صعوبة عزل مواقف هذه النخب ذات الدوافع الطائفية عن دوافعها الوطنية أو المتعلقة بالمصالح العشائرية والشخصية والمناطقية.
أما مسألة انتماء الباحث إلى الطائفة العلوية بالولادة، فهي سيف ذو حدين، إذ إن ثمة خطر الوقوع في فخ الانحياز الهوياتي أو التأريخ من جهة [3]، أو أن يساعد ذلك في تقديم رؤية أكثر وضوحًا من موقعٍ قد لا يبلغه الباحث “الخارجي” من جهة ثانية. ويبقى الهدف المأمول في كل الأحوال هو الوصول إلى رؤية أقرب إلى الموضوعية في دراسة العنوان أعلاه.
من الأسئلة التي تحاول هذه الدراسة الإجابة عنها أو الإضافة إليها:
- كيف عايش العلويون/ نخبُهم مرحلة التحول التاريخية من الحكم العثماني إلى الانتداب الفرنسي؟
- ما هي طبيعة وأسباب التحولات التي طرأت على مواقف النخب العلوية، من مسألة الانتداب والانضمام إلى الدولة السورية منذ ثورة صالح العلي (1919 – 1921) وتشكيل الدولة العلوية (1920) حتى الاستقلال؟
تأتي الأهمية المفترضة لهذه الدراسة من كونها تحاول النظر إلى الأحداث التي شهدتها الدولة السورية من زاوية المسكوت عنه، أو من خلال تجريد الأحداث، قدر الإمكان، من لبوسها الأيديولوجي – العروبي الطاغي، أو النظرة الوطنية التي لم يكن لها أساس حقيقي قبل الاستقلال على الأقل، سواء من حيث وجود مؤسسات وطنية أو حدود واضحة/ نهائية، لكيان سوري كان ما يزال في طور التشكل، فاختلطت الوطنية بالعروبة ولم تنضج/ تتحقق لا هذه ولا تلك على نحو مرضٍ، حتى تاريخه، وما زالت المشكلات/ الصراعات ما قبل الدولة الوطنية عالقة.
يتمثَّل الهدف الرئيس في محاولة التوصّل إلى بناء هيكلية سياسية مناسبة لدولة سورية حديثة على أسس ديمقراطية، من خلال الاستفادة من أخطاء الماضي ودروسه، وتتبُّع الدور السياسي للنخب العلوية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وكيفية تعامل النخب السورية الأخرى مع هذا الدور.
اعتمدت هذه الدراسة على منهجية التحليل البنيوي والتاريخي لفهم تعقيدات الأحداث والمواقف المرتبطة بها، من خلال الاستئناس بالمعلومات الواردة في الوثائق التاريخية ذات الصلة، وباستخدام مفاهيم سياسية وتاريخية، من دون الخوض في التاريخ العقائدي للطائفة، إلا ما كان منه ضروريًا لفهم الأحداث أو طريقة التفكير السياسية.
ثمة كثير من المراجع المعاصرة التي يمكن الاعتماد عليها في هذا البحث، ومنها ما تطرق إلى نشوء الوعي السياسي عند العلويين وتطوره[4]. ولا تخرج هذه الدراسة عن هذا الإطار، في محاولة لسدّ بعض الثغرات المعرفية عبر تاريخ سورية، كدولةٍ تتنازعها التناقضات الداخلية والمصالح الخارجية، وفي محاولة لتفكيك مفهوم الوطنية[5]، في مرحلة لم يكن ثمة تجسيد مؤسساتي جامع لها على أرض الواقع، وذلك في الفترة الممتدة بين نهاية الحرب العالمية الأولى، وجلاء الجيوش الأجنبية عن سورية عام 1946، والتي طغت عليها أيضًا شعارات وتوجهات الأحزاب العقائدية، المستندة إلى القومية العربية والأمة الإسلامية والأمة السورية والأممية الشيوعية، التي استباحت الوطنية المفترضة.
Add Comment